c.m.16 

حكاية الدبابة الروسية الأولى 1318002943_468





يُذكر يوم الخامس عشر من سبتمبر/ أيلول عام 1916 على أنه أول يوم تُستخدم فيه الدبابات في المعارك، وسيكون من المثير لكثير من الناس أن يعرفوا كيف كانت تلك الدبابات الأولى، وكيف ومَن اخترعها، وسأحدثكم اليوم عن أول مصنع للدبابات، أو بالأصح عن نموذجه وشكله ومخترعه ألكسندر ألكسندروفيتش بوروخوفشيكوف (1893 – 1942).

أبدى ألكسندر بوروخوفشيكوف منذ الطفولة اهتماماً بالاختراعات، وقلَّ من يعرف أنه إلى جانب اختراع "عربة الطرق الوعرة" المشهورة، كان يعمل على اختراع الطائرات، وقد استحق أحد نماذج طائراته أحادية السطح التي عُرضت في عام 1909 مديحَ نيكولاي جوكوفسكي ( 1847 – 1921، عالم روسي، مخترع علم ديناميك الهواء)، كما اخترع بوروخوفشيكوف طائرة الاستطلاع ثنائية الجسم " بي - كوك" التي صُنعت واجتازت الاختبارات في عام 1914، وصَمَّم في عام 1917 طائرة تدريب بمقعدين   "بي - 4"، وصمم في الفترة الواقعة ما بين 1920- 1923 طائرات "بي - 4"، " بي - 4-2 مكرر"،  "بي - 5" و" بي - 5 مكرر"، وجرى إنتاجها التسلسلي، وكان كثير من الطيارين السوفييت البارعين أبطالِ الحرب الوطنية العظمى قد تدَّربوا على هذه الطائرات بالتحديد.


حكاية الدبابة الروسية الأولى 1318002837_tm_468_184

في أغسطس / آب من عام 1914 حمل ألكسندر بوروخوفشيكوف مشروع اختراعه الجديد إلى اللجنة الخاصة لدى مقر القائد العام، وفي يناير / كانون الثاني قدَّم رسومات تفصيلية للعربة، وفي الخامس عشر من الشهر نفسه حصل على إذنٍ ببناء نموذج تجريبي، وخصصوا له الأموال اللازمة والمعدات و25 جندياً حِرَفياً وأكثر من 20 من العمال المؤهلين، وفي 1 فبراير / شباط بدأ بإعداد النموذج التجريبي، أما لمراقبة سير العمل فقد عُيِّن المهندس العسكري العقيد بكليفسكي ـ كوزيلو.
وحسب فكرة الاختراع، فإن تصميم "عربة الطرق الوعرة" لم يكن عادياً أبداً، فقد كان الهيكل ملتفاً ومصَّمماً لأن يكون محكم الإغلاق من أجل إمكانية الحركة في الماء، مع فجوة لسحب الهواء في الأمام ودرع متعدد الطبقات مُكَّون من صفيحتين فولاذيتين، إحداهما كانت مثبتة بالإسمنت، وسدادة مضغوطة بعشب بحري فيما بينهما، وكان الدرع أيضاً من اختراع بوروخوفشيكوف الذي سبق عصره، وتجدر الإشارة إلى أن الدبابات ذات الدرع المنفصل لم تظهر إلا في النصف الثاني من القرن الماضي، وعند تعرضها للقصف من مسافة 50 متراً كانت العربة تقاوم ضربات الرصاص التي تُطلق سواء من البندقية أو الرشاش.


 cm.23  cm.23  cm.23  
 cm.23  cm.23   cm.23 


ويستند الهيكل الملتحم على محرك أحادي الجنزير، وكان الجنزير مشدوداً إلى أربع أسطوانات، وكانت الأسطوانة الخلفية تُعتبر الرئيسة بينها وتنقل الحركة إلى محرك قوي بعشرة أحصنة من خلال عمود الشد الخلفي وعلبة السرعة، وبلغ الوزن الحربي للعربة أربعة أطنان، ومن أجل تجنب انزياح الجنزير عن الأسطوانات تم حفر أخاديد صغيرة، ولكن مع وجود إمكانية الانزلاق الطولي فإن هذه المشكلة لم تحل نهائياً، وكانت الدبابة تلتف بمساعدة عجلتي تدوير مُركَّبتين على الجانبين، وفوق التربة الصلبة كانت الدبابة تسير على الأسطوانة الخلفية والعجلات الجانبية، وعند السير فوق تربة طرية كان يجب أن تتمدد على جنزير عريض، وعند الحركة فوق التربة الطرية كان يجب على عجلات التدوير حسب رأي المخترع أن تُنَّفذ دور دفات القيادة وفق نموذج جناح الطائرة، ولكن من الناحية العملية كانت تعيق الحركة فقط، فقوانين الحركة في الهواء التي كان ألكسندر بوروخوفشيكوف يعرفها جيداً لم تكن مناسبة هنا أبداً، أما محاولة الالتفاف فأدت إلى فشل حتمي. وفي 18 مايو/ أيار خرجت "عربة الطرق الوعرة" من بوابة الورشة لاختبار حركتها على التربة الصلبة، حيث أظهرت سرعة مقبولة بالنسبة لذلك الوقت ووصلت مع استعمال الجنازير إلى 25 كم/ساعة، في حين لم تَجر عملية الانتقال إلى الحركة على العجلات، وفي ذلك الحين لم يكن قد رُكِّب بعد على "عربة الطرق الوعرة" برجٌ متحرك وأسلحة، وبحسب الخطة كان يجب أن يتكَّون تسليح العربة من رشاش واحد من عيار 7.62 ملم " مكسيم"، وكان العرضُ الرسمي قد عُيِّن في 20 يونيو/ حزيران وتم ذلك فعلاً في ساحة الفوج، حيث أظهرت العربة سرعة أعلى، ولكن للأسف، فقد تلك كانت الإيجابية الوحيدة، وخيبت العربة توقعات ألكسندر بوروخوفشيكوف وأُرسِلت للتعديل خلال فترة لم يتم التمكن فيها من تصحيح كل العيوب البارزة، وكان آخر الاختبارات قد جرى في 26 ديسمبر / كانون الأول من عام 1916.


كانت العيوب والنواقص في النموذج المعروض كثيرة جداً، وكانت آلية الالتفاف العيب الأكبر، ذلك أن أداءها السيء كان يضطر السائق للالتفاف بالعربة يدوياً وبمساعدة عمود، وأُعلن أن تصميم الجزء الحركي لم يكن مُرضياً، ولم يتم التمكن من جعله محكم الإغلاق، أما توزع الطاقم داخل العربة فكان غير مريح على الإطلاق بسبب المساحة الداخلية الضيقة جداً، وتقرر التخلي عن الأعمال اللاحقة على هذه العربة، وألزمت المؤسسة العسكرية ألكسندر بوروخوفشيكوف بإعادة الأموال التي خُصصت لإنشائها، أما النموذج فقد أُرسل إلى الإدارة العسكرية التقنية المركزية.
تلك هي قصة إنشاء أول دبابة في العالم، رغم أنها لم تنجح ولم تعتمد في التسليح، غير أنها مهدت لصناعة الدبابات الروسية والسوفييتية، مثلما وضع قارب بطرس الأكبر بدايةً للأسطول العسكري الروسي الجبار، وسيتلو ذلك كثير من المشاريع الناجحة والفاشلة ولكل منها قصته الخاصة.



http://arab.rbth.ru/technology/2013/12/11/25533.html