توجهات روسية جديدة في مجال التعاون العسكري-التقني T90_468

نقلت وكالة أنباء إيتار- تاس عن مصدر مطلع في مجال تنظيم الدعاية والمعارض لمُصَدِّر الأسلحة الروسية أنه: "نظراً للعقوبات المفروضة من الغرب بحق روسيا، تم الإيعاز لشركة (روستيخنولوغيي) وشركة (روس أوبورون إكسبورت) والمؤسسات المصدرة للمنتجات الخاصة بتحويل وجهة مشاركتها في المعارض العسكرية-التقنية إلى مناطق أخرى من العالم، تحظى فيها الأسلحة الروسية بطلب مرتفع". ولذلك، لن يتم عرض النموذج الطبيعي لناقلة الجنود القتالية (BMPT-72) المعروفة بـ (تيرميناتور) في معرض يوروساتوري في فرنسا. وكذلك الأمر بالنسبة للدبابة (Т-90). كما سيتم تقليص عرض التكنولوجيا العسكرية في ساحات العرض الأوروبية إلى الحد الأدنى.

وفي سياق متصل، صرح ميخائيل بوغوسيان رئيس الشركة المتحدة لصناعة الطائرات بأنه لن يقوم بإرسال الطائرات المقاتلة إلى معرض فارنبورو الجوي (Farnborough 2014) الذي سيعقد في لندن من 14 إلى 20 تموز/يوليو القادم. على الرغم من أنه في هذا المعرض تحديداً كانت قد عرضت لأول مرة الطائرة التدريبية-المقاتلة (ياك-130) التي أثارت اهتماماً حياً لدى الزائرين، تُرْجِم فيما بعد إلى عقودٍ فعلية. حيث حجزت سوريا وبنغلاديش وفييتنام عدداً من هذه الطائرات.

في نيسان/أبريل من هذا العام، صرح باتريك كولا دي فرانك المدير العام لمعرض يوروساتوري-2014، بأن روسيا قد تُحرم من حق المشاركة في المعرض بسبب ضم شبه جزيرة القرم إليها. ونظراً للتطورات السياسية الأخيرة فإن روسيا قررت من تلقاء نفسها تغيير جغرافيا الساحات المخصصة لعرض منتجاتها العسكرية. لم تكن هذه الخطوة مناورة سياسية، بل جاءت كنتيجة منطقية للتطورات الجارية في السوق العالمية لتجارة الأسلحة.

ويرى رئيس تحرير مجلة "الدفاع الوطني" الخبير العسكري إيغور كوروتشينكو أن الأمر لا يتعدى عن كونه مرتبط بالجدوى الاقتصادية، لا أكثر. فهو على ثقة بأن هذه الصالونات الضخمة، مثل يوروساتوري أو فارنبورو هي في المقام الأول ساحات للتعبير عن مكانة الدول المشاركة، وفرصة لنعرض للعالم بعض منتجاتنا الجديدة. أما أسواقنا الحقيقية فهي تتركز فعلياً وبشكل رئيس في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا والشرق الأوسط.

ميزانيات أكبر وطموحات أعلى

تشهد البلدان التي ذكرها الخبير انتعاشاً اقتصادياً، ولديها طموحات جيوسياسية جدية مما يدفعها لزيادة  ميزانياتها الدفاعية وتنفيذ برامج واسعة النطاق لبناء قدراتها العسكرية.
وتقوم هذه البلدان بشكل متزايد بتنظيم المعارض العسكرية-التقنية، ليس فقط من أجل اقتناء نماذج حديثة من الأسلحة والمعدات، بل ولاجتذاب البلدان المصنعة للمنتجات العسكرية إلى العمل المشترك في مجال التطوير والانتاج، ومن أجل أن تقوم هذه الأخيرة بتقاسم التكنولوجيا وتقديم المساعدة لتنظيم عملية الإنتاج وصيانة المعدات داخل أراضي البلدان المستوردة للسلاح. كما شهدت السنوات الأخيرة نمواً ملحوظاً لمكانة وهيبة ساحات العرض الإقليمية. وتستطيع المعارض التي تنظمها بلدان العالم الثالث أن تنافس بجدارة المعارض الأوروبية الثابتة، سواء من حيث عدد المشاركين أو نوعية المعروضات. ولم يعد من النادر في هذه المعارض مشاهدة نماذج حقيقية لأصناف عالية الجودة من الأسلحة، ويتم عرض قدراتها للزائرين بشكل حي (على سبيل المثال، في معرض آيرو إنديا (2013- Aero India ) قدم فريق روسكيي فيتيازي الروسي عروضاً جوية بهلوانية على متن  طائرات ميغ-29).

ولذلك ستعتمد روسيا في السنوات القريبة القادمة على المعارض الهندية في بنغالور ونيودلهي والمعرض الصيني في تشوهاي والصالون الجوي في سنغافورة ومعرضي ليما و(DSA) في ماليزيا ومعارض (SITDEF) و(LAAD) و(FIDAE) في أمريكا اللاتينية.  ومن الجدير بالذكر أن روسيا تمتلك علاقات مديدة  في مجال التعاون العسكري-التقني مع كل هذه البلدان المنظمة للمعارض تقريباً. مما يسهل إلى حد ما ترويج المنتجات الروسية في أسواقها.

لماضي السوفييتي  لعقود الأسلحة الروسية

كان التعاون العسكري-التقني في زمن الاتحاد السوفييتي يقوم على أسس  إيديولوجية وعلى مبدأ المنح بدون مقابل (غالباً، على شكل قروض يتم شطبها لاحقاً). كان السلاح يورد للأنظمة "الصديقة" للاتحاد السوفييتيي. وقد بلغ حجم صادرات الأسلحة في نهاية السبعينيات وفي أعوام الثمانينيات حوالي (21-22) مليار دولار. وذلك وفقاً لمعطيات الخدمة الاتحادية في مجال التعاون العسكري-التقني. وقد شملت قائمة الدول ذات الأولوية بالنسبة للاتحاد السوفييتي بلدان حلف وارسو ودول جنوب شرق آسيا والشرق الأقصى (الصين وكوريا)، وبعض بلدان أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط.

اليوم، وبعد أن تم وضع التعاون العسكري-الفني مع جميع البلدان على "سكة العلاقات التجارية "، لايزال الماضي السوفييتي يذكرنا بنفسه أحياناً.  وفقاً لمعطيات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)  في الفترة من عام 1981 إلى عام 1991 كان الاتحاد السوفييتي أحد أكبر مصدري الأسلحة في العالم. وضمت قائمة البلدان الرئيسة المستوردة للأسلحة السوفييتية 54 بلداً في العالم، كان 44 منها من الدول النامية. ولا تزال هذه الدول لحد الآن تحتفظ بأسلحة سوفييتية اعتادت جيوش تلك البلدان عليها. وهي الآن بحاجة ماسة لتجديدها.

ولذلك نرى أن الهند التي كانت على زمن الاتحاد السوفييتي تستورد الطائرات السوفييتية، تعدّ اليوم أكبر مستورد للمنتجات الحربية الروسية. ففي غضون السنوات الخمس الماضية استوردت الهند عدداً من الطائرات المروحية المتعددة الأغراض ومقاتلات من طراز (ميغ- 29 СМТ) وتم تسليمها حاملة الطائرات فيكراماديتيا (INS Vikramaditya).

وفقاً لمعطيات مركز تحليل تجارة الأسلحة العالمية (CAWAT) فإن ما يزيد على 90% من صادرات الأسلحة الروسية إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ هو من نصيب الصين وفييتنام وإندونيسيا وماليزيا، بدءاً من الطائرات المقاتلة والمروحيات إلى غواصات الديزل الكهربائية وزوارق الدوريات. وقد كانت هذه البلدان على زمن  الاتحاد السوفييتي تستورد قائمة واسعة من المنتجات الحربية سوفييتية الصنع، وهذا ما يسهل  لروسيا إبرام العقود العسكرية في الوقت الراهن.

بلدان أمريكا اللاتينية هي أيضاً تلقت مساعدات عسكرية من الاتحاد السوفييتي. فقد حصلت البيرو على دبابات وطائرات وتلقت نيكاراغوا أسلحة وأليات مدرعة خفيفة. وأُرسلت إلى كوبا شحنات واسعة النطاق من مختلف صنوف الأسلحة.



في التسعينيات وعلى خلفية الانخفاض العام لتصدير الأسلحة من روسيا، تم عملياً تجميد التعاون العسكري-التقني مع بلدان أمريكا اللاتينية. ولكن في عام 2005، قرر الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز  التخلص من الاعتماد على الأسلحة الأمريكية وتوجه بهذه الرغبة  إلى روسيا.

والآن، تمتلك فنزويلا في ترسانتها العسكرية جميع أصناف الأسلحة الروسية تقريباً. بما في ذلك وسائط الدفاع الجوي التي تستغلها بفعالية عالية. مما يؤجج اهتمام الدول المجاورة بالمنتجات الروسية. حيث أقدمت البرازيل في عام 2008 على إبرام عقد مع روسيا لتوريد طائرات مروحية مقاتلة من طراز (مي-35).

والآن تبدي البرازيل اهتمامها لاقتناء المنظومة الصاروخية-المدفعية المضادة للطائرات (بانتسير-С1) ومنظومات الدفاع الجوي المحمولة من طراز (إيغلا-С)

الشرق الأوسط  هو محور آخر للتعاون العسكري-التقني الروسي. وبالرغم من أن هذه المنطقة لا يمكنها التباهي بعدد كبير من المعارض العسكرية-التقنية (معرض IDEX في دولة الإمارات العربية المتحدة، وصالون دبي للطائرات والعروض الجوية ومعرض СОФЕКС في الأردن) إلا أنها تعدّ أكثر المناطق عسكرة  في العالم. فالاحتمالات العالية لاندلاع النزاعات في الشرق الأوسط حولت هذه المنطقة إلى أوسع سوق لاستيعاب السلاح، الأمر الذي لا يمكن لروسيا إلا أن تستغله.


ففي عام  2012 أبرمت روسيا مع العراق اتفاقية متكاملة لشراء أسلحة روسية بقيمة 4.2 مليار دولار.

سيحصل العراق بموجبها على مروحيات التمساح (كا-52) والنسخة التصديرية من مروحيات الصياد الليلي (Mi-28NE) و منظومة (بانتسير- С1). وقد بدأ تنفيذ عمليات التسليم بالفعل. كل هذا يعطي روسيا فرصة لتعزيز مكانتها في سوق الأسلحة في الشرق الأوسط بعد الإطاحة بالسلطة في ليبيا وبداية المواجهات الأهلية  في سوريا.

اللعب على قدم المساواة

الآن، لم تعد بلدان الشرق الأوسط، والبلدان الآسيوية وبلدان أمريكا اللاتينية تقبل بدور المشتري البسيط للأسلحة. فلديها الآن مجمع عسكري- صناعي متطور، وهي تسعى إلى دخول سوق السلاح كلاعبين فاعلين جدد.  

تتحول بؤرة التعاون العسكري-الفني اليوم نحو التطوير والتصنيع المشترك للمنتجات الحربية عالية التكنولوجيا. ولدى روسيا عدد من المشاريع المشتركة مع الهند (طائرة الجيل الخامس وصواريخ براهموس الأسرع من الصوت) ومع الصين (اتفاقية بشأن التطوير والانتاج المشترك لمروحية نقل ثقيلة).


وفي الأردن باشرت مؤسسة (هاشم) المشتركة عملها لإنتاج قاذفات (آر بي جي-32). ووقعت شركة (Odebrecht Defensa e Technologia) البرازيلية مذكرة تفاهم مع شركة (روستيخ) الروسية لاقامة مؤسسة مشتركة في البرازيل لتجميع طائرات مروحية متعددة الأغراض من نسق (مي-171) وإنشاء مركز للخدمة الفنية لمروحيات النقل القتالية (مي- 35 М) ولتطوير نظام متكامل للدفاع الجوي.

وتُجْري هذه الشركة العملاقة من أمريكا الجنوبية مفاوضات مع روسيا حول امكانية نقل صناعة منظومة الدفاع الجوي المحمولة (ايغلا-إس) إلى أراضيها.

يقول الخبير العسكري المستقل يوري غروموف أن التطوير المشترك للأسلحة وتنظيم مؤسسات مشتركة لإنتاجها  في أراضي بلدان ثالثة هو ليس نموذجاً لتصدير المنتجات الحربية  فقط، بل ومؤشر على الرغبة في الشراكة الاستراتيجية. وهذا ما يعزز علاقات الصداقة مع البلد المشتري ويرفع أحجام الصادرات ويرقى بالتعاون العسكري- التقني إلى مستويات أرفع.  

المصدر