تواصل روسيا تطوير تعاونها مع البلدان الأجنبية في المجال العسكري-الفني خلافاً لكل توقعات السنوات الأخيرة التي تنذر بالركود الاقتصادي القادم. تحتل روسيا حالياً وبشكل مستقر، المرتبة الثانية بحجم صادرات الأسلحة في السوق العالمية. الأمر الذي يجري تحقيقه بفضل اتباع استراتيجيات مختلفة للتعاون تراعي خصوصية كل من البلدان الشريكة.

ثلاث استراتيجيات لتصدير الأسلحة الروسية MikhailFomichev_RIAN_00627146_468
أولاً: استراتيجية التطوير المشترك


الاستراتيجية الأولى وهي الأصعب من حيث حجم العمل المطلوب، ولكنها الأكثر أهمية من الناحية السياسية. وتمثل خطاً ثابتاً للتعاون الهادف إلى منح تراخيص الانتاج، وفي بعض الحالات، إلى التطوير المشترك للتكنولوجيا العسكرية. من البلدان التي تستخدم فيها روسيا هذه الاستراتيجية (أو تسعى لتطبيقها) يمكننا ذكر الهند والصين والبرازيل وكوريا الجنوبية. مع العلم أن التعاون في كل حالة من هذه الحالات له ما يميزه من الخصائص.

فالهند هي الدولة الوحيدة لغاية اليوم، التي يجري فيها تطبيق هذه الاستراتيجية بكامل أبعادها. والتي تعدّ روسيا مصدراً للتكنولوجيا العالية في بعض قطاعات الصناعة الهندية التي لا تزال متأخرة لعدة عقود مقارنة بالدول الرائدة. تتجسد هذه الاستراتيجية في العقود الضخمة، مثل الإنتاج المرخص لطائرات (سو-30mki) ، ناهيك عن الطائرات التي يتم اقتناؤها جاهزة. هذا ويقدر الأخصائيون القيمة الإجمالية لطائرات سو-30 المصدرة للهند، بالإضافة إلى قطع الغيار والاكسسوارات وخدمات الصيانة وتدريب الطيارين وما إلى ذلك، بـ (12-15) مليار دولار.


أمَّا الصين التي كانت تنتج بنشاط السلاح برخصة من الاتحاد السوفييتي في الفترة بين أعوام 1950-1980، فقد عادت إلى شراء التكنولوجيا الروسية لتحديث مجمعها العسكري-الصناعي. ولكن الصينيين سرعان ما تحولوا من انتاج النسخ المرخصة إلى الإنتاج المستقل للتقنيات على أساس العينات التي حصلت عليها. علماً بأنه في بعض الحالات جرى تسهيل عملية "النسخ"  بفضل المساعدة التكنولوجية المقدمة من مكاتب التصميم الروسية والأوكرانية.


بدورها، تراهن كوريا الجنوبية بشكل رئيس على التطوير المشترك للتكنولوجيا الجديدة بمشاركة مكاتب التصميم الروسية. على هذا النحو تم انشاء منظومة الدفاع الجوي الصاروخية (KM-SAM)  وصاروخ النقل الفضائي نارو-1 (Naro-1) أو (KSLV-1) (Korea Space Launch Vehicle)

وفيما يتعلق بالبرازيل، فإن روسيا تسعى لجذب اهتمامها عن طريق امكانية التطوير المشترك في مجال الطيران الحربي وأنظمة الدفاع الجوي.

ثانياً: استراتيجية التصدير الواسع النطاق

الاستراتيجية الثانية للتعاون العسكري-الفني تخص البلدان التي تمتلك موارد مالية كبيرة نسبياً، ويمكن أن تسمح لنفسها شراء معدات عسكرية باهظة الثمن. وهنا يدور الحديث عن إندونيسيا وماليزيا وفيتنام والجزائر والعراق وفنزويلا وأذربيجان والعديد من الدول الأخرى. تقوم هذه الدول بشراء نماذج متطورة من التقنيات العسكرية أو إصداراتها المبسطة. وفي المحصلة تؤمن هذه المبيعات حجماً من حقيبة الصادرات لا يقل عن حجم العقود العملاقة مع الهند أو الصين.

غالباً ما تثير آفاق التعاون العسكري-الفني في هذا المجال الشكوك بسبب المخاطرات السياسية. فالربيع العربي أجبر العديد من الخبراء على الحديث عن وقف التعاون الوشيك مع بلدان منطقة الشرق الأوسط، ووفاة هوغو شافيز أدت لوضع التعاون مع فنزويلا موقع الشك. ولكن تبين أن كثيراً من هذه المخاوف مبالغ فيها.


ومن بين أوضح الأمثلة التي تدحض النظرة المتشائمة لمستقبل الصادرات العسكرية الروسية إلى الشرق الأوسط هو العقد الجديد المبرم مع العراق في خريف عام 2012 لتزويده بطائرات هيليكوبتر وأنظمة دفاع جوي وغيرها من الأسلحة بقيمة 4.2 مليار دولار. وقد بدأ التسليم وفقاً لهذا العقد في خريف عام 2013. وتزامن ذلك مع استئناف التعاون العسكري الفني مع ليبيا. حيث تم تسليم منظومات خريزانتيما (الأقحوان) ذاتية الحركة المضادة للدبابات (وفقاً لبعض المعلومات- عربات بي أم بي-3 ) والتي كان قد تم حجزها في زمن حكومة القذافي.

في نهاية عام 2013 ومطلع عام 2014 اتخذت الخطوات الأولى نحو استئناف التعاون العسكري-الفني مع مصر، التي يمكن أن تصبح أحد أكبر المشترين للأسلحة الروسية في السنوات الخمس القادمة. وستبلغ قيمة الصفقة الأولى، وفقاً لمعلومات من الجانب المصري، لا أقل من 2 مليار دولار. تخطط مصر للحصول على وسائط للدفاع الجوي وطائرات ميغ-29 ومروحيات قتالية.

ثالثا: استراتيجية الصفقات الصغيرة ولكن بأعداد كبيرة

الاستراتيجية الثالثة للتعاون العسكري-الفني بين روسيا والبلدان الأجنبية، ترتبط ببلدان العالم الثالث. والحديث يدور أساسا عن بلدان متوسطة النمو في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا. تتميز العقود مع هذه البلدان، كقاعدة، بأنها عقود لمرة واحدة وبقيمة صغيرة نسبيا، تتراوح بين عدة ملايين إلى بضعة مئات ملايين الدولارات.

ومع ذلك، حتى هنا يمكن جني أرباح كبيرة. فعلى سبيل المثال، في تشرين الأول/أكتوبر 2013 تم إبرام عقد مع أنغوﻻ لتوريد أسلحة بقيمة إجمالية تصل إلى مليار دولار. ويعكس هذا العقد بدقة كبيرة تكوين الكتلة الأساسية للاتفاقات المبرمة مع بلدان العالم الثالث، بما في ذلك مع شركاء روسيا الأقل نمواً من بلدان منظمة معاهدة الأمن الجماعي، مثل قيرغيزستان وطاجيكستان.

ويدور الحديث هنا عن تصدير قطع الغيار والأسلحة النارية الخفيفة والذخيرة والآليات المدرعة (وهي من الآليات المستخدمة في القوات المسلحة الروسية، والتي تم إصلاحها خصيصاً لهذا الغرض) والطائرات المستعملة. ماعدا المروحيات والسيارات التي تصدر جديدة في معظم الحالات. وفيما يتعلق بالتعاون مع أنغوﻻ، تجدر الإشارة إلى أن استمرار النمو الاقتصادي وزيادة النفقات العسكرية يمكن أن يؤدي إلى إدراج هذا البلد في مجموعة "الاستراتيجية الثانية"، إذا ما قررت تطوير علاقاتها في هذا المجال مع روسيا.

لحد الآن، لا تزال مجموعة بلدان "الاستراتيجية الثالثة" هي الأكثر عدداً. فهي تشكل الثلثين من بين أكثر من سبعين بلداً تدخل في جغرافية التعاون لشركة "روسوبورون إكسبورت". ولكن الدخل السنوي من هذه المجموعة يظل صغيراً نسبياً. وحسب التقديرات فهو لا يتجاوز 10-15 % من مجموع الصادرات.


http://arab.rbth.ru/technology/2014/03/20/26497.html