إعداد الدولة للحرب.....مركز صقر للدراسات الإستراتيجية

اعداد الدولة للحرب Wh_67262898
إعداد الدولة للحرب
مركز صقر للدراسات الإستراتيجية
يعرف الإعداد ـ لغة ـ هو التأهب والتهيؤ، يقال ما أٌعد لأمر يحدث، مثل التأهب لهذا الأمر، بالإعداد له. ويقال أَعْدَدتُ للأمر عِدَّتَهُ، بمعنى تهيأت لمواجهة هذا الأمر بما يناسبه. فالتفسير البسيط لإعداد الدولة للحرب، يكون بالتهيؤ والتأهب لكل موارد الدولة للحرب دفاعا أو تعرضا لحماية كيانها. والتهيؤ يكون باتخاذ إجراءات مسبقة تناسب احتمالات وقوع أخطار معينة، والتأهب هو الاستعداد لتنفيذ الإجراءات عند وقوع الخطر، كما إن إعداد الدولة للحرب عملية واسعة تشمل كل ما يمنح الدولة القدرة على ردع العدوان في أية لحظة)(، وتحقيق النصر في أقل وقت ممكن والصمود للحرب طويلة الأمد، والتقليل من الخسائر التي تسببها ضربات العدو والمحافظة على مستوى عال من الروح المعنوية وتعزيز إرادة القتال الصمود لدى الشعب" وعلى نحو أكثر بساطة عُرَّفَ المصطلح على أنه "جميع التدابير والإجراءات والجهود التي تتخذها الدولة في زمن السلم لغرض تحقيق تفوق ونصر في الصراع المسلح")(، كما تُعرف الدولة بأنها: الكيان السياسي والإطار التنظيمي والقوة الاجتماعية المنظمة والتي تمتلك السيادة داخليا وخارجيا، وتعلو إرادتها على كل الإرادات، وتمتلك وحدها سلطة إصدار وتنفيذ القوانين وذات شخصية قانونية موحدة. والدولة كيان سياسي له مقومات ثلاث: أرض، وشعب، وموارد.

مفهوم إعداد الدولة للحرب:

يعنى إعداد الدولة لمواجهة الخصم (العدو)، وذلك من خلال تطوير واستخدام كافة القدرات والإمكانيات المتيسرة للدولة بكافة جوانبها السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والبشرية (وهي ما تعرف بقوى الدولة الشاملة)، لتحقيق الأهداف والغايات القومية ويسمى الأمن القومي والوطني للدولة، وسلامة أراضيها ويعبر هذا المفهوم عن الاتساع اللانهائي لإعداد الدولة للحرب فمن أجل تحقيق النصر في الحرب والدفاع عن حدود الدولة ويتم الإعداد لذلك في مختلف الأماكن والمواقع والأزمان، وتسخير قدرات النشاط الإنساني. ويعني ذلك استمرار الإعداد المتواصل وما يعنيه ضمناً ضرورة التطوير لِما سبق إعداده كلما تغيرت المعطيات أو استجدت المؤثرات)(.
وتختبر خطط الإعداد لمعرفة مدى كفاءتها وتغطيتها كافة متطلبات الصراع، من خلال تمثيل تجارب تحاكي الصراع الحقيقي وأحداثه(التدريب-تمارين لعب الحرب)، ويوضح ذلك ما يحتاجه الإعداد من تطوير أو تعديل أو تغيير، ليكون أكثر ملائمة ونجاحاً في احتواء المواقف التي تفرزها مراحل الصراع المسلح والتغلب عليها، ويتم أحياناً خلال المواجهة الفعلية ذاتها.
يجرى التعديل والتغيير والتطوير أحياناً أثناء المواجهة الفعلية، أي خلال الصراع، وهذه أصعب المواقف التي تواجه المخطط والمنفذ، ويتوقف النجاح في إدارة الصراع عندئذ على درجة مرونة الخطة، والصلاحيات الممنوحة، وينطبق ذلك على كافة مستويات الصراع والمواجهة في إطارها الداخلي أو الإقليمي، أو الدولي)(، كما إن الإعداد المسبق للأحداث، يهيئ الفرصة للتأهب، وحشد الطاقات والإمكانيات للسيطرة على مجرياتها، والاستفادة من نتائجها، بينما التراخي أو عدم التحسب، يؤديان إلى المفاجأة بالأحداث، وتتوالى الخسائر، لتفقد الدولة ما كان في متناول قدراتها، والتي لم تتح لها المفاجأة استخدامها بشكل جيد فتكون الهزيمة نتيجة حتمية.
إعداد الدولة الحرب:

 
يهدف إعداد الدولة للدفاع أو للحرب إلى زيادة قدراتها الاستراتيجية وإمكانياتها للتصدي، عسكرياً، اقتصادياً،
 معنوياً وتامين استخدام طاقاتها ومواردها الاستخدام الأمثل. لذلك، تسعى الدولة لتحقيق الأهداف التالية أثناء
الإعداد للدفاع هي:
1 -القدرة على صدّ العدوان المفاجئ ضمن خارطة التهديد المحتمل، والتحول من حالة السلم إلى حالة الحرب
 وإدارة العمليات الحربية وتوجيه الضربات الأجهاضية الرادعة لانتزاع المبادأة والمحافظة عليها طوال فترة
 الصراع المسلح.
2- تحقيق النصر بأسرع وقت وبأقل خسائر ممكنة(الكلفة والتأثير) مع حساب عامل الزمن.
3 - القدرة على إدارة حرب طويلة الأمد عند الضرورة وذلك بتوفير كافة متطلبات القدرة
العسكرية والاقتصادية والمعنوية والمحافظة على الروح المعنوية الجماهيرية مرتفعة.
4 - امتصاص الصدمة وتحمل الضربات المركزة والقوية)( للعدو، مع تقليل الخسائر جهد الإمكان .
تمر خطط إعداد الدولة للحرب بعدة مراحل تتضمن الحفاظ على حالة الاستعداد القتالي للقوات المسلحة، والحفاظ على التطور العلمي المستمر والتوصل لنظريات أو اكتشافات علمية جديدة في المجالات المختلفة وموائمتها مع ظهور معدات وأسلحة حديثة وكل ذلك يؤدي إلى تغير في مفهوم استخدام القوات المسلحة في الحرب, وتنظيم القوات والعقائد القتالية المستخدمة)(، مع وضع معايير ودرجات الإنذار وتخفيف حالة الإنذار إلى ما كانت عليه بعد زوال دواعي الخطر من دون أن يكون لذلك تأثير سلبي، ويتم تحديث الإستراتيجية العسكرية وفقا للمعطيات والمستجدات وفق خارطة التهديد لموائمة التطور في المعدات والتجهيزات العسكرية، والعقائد القتالية، وأساليب القتال، ضمن عملية تحديث مستمرة ودائمة، ويشمل إعداد الدولة للحرب العناصر الرئيسية التالية:
1.    إدارة السياسة الخارجية بما يتلاءم مع أهداف الدولة السياسية.

2.    إعداد القوات المسلحة بشكل يؤمن النصر في الحرب ويحقق الاستقرار في السلم.
3.    إعداد مسارح العمليات المحتمل من كافة الجوانب العملياتية والتعبوية واللوجستية.
4.    إعداد الاقتصاد الوطني الكفء القادر على تلبية متطلبات إعداد الدولة للحرب.
5.    إعداد منظومات الدولة المختلفة وحشدها لدعم القوات المسلحة في الحرب.
6.    إعداد الشعب والمجتمع  وتأهيله للتصدي إلى التهديدات المحتملة في الحرب.
 
مراحل أعداد الدولة للحرب
يلزم ـ الإعداد للحرب ـ إتباع أسلوب علمي يستند على النظريات الحربية لفن الحرب وموائمتها مع المتغيرات الحديثة وحشد إمكانيات الدولة، وتنمية قدراتها، لمواجهة تحديات الصراع، وتحقيق صفحات ناجحة، ضمن قائمة الأهداف القومية، يتضمن إعداد الدولة للدفاع أربع مراحل رئيسية)( هي:
 

أولاً: التخطيط:

التخطيط هو احد مقومات النجاح لأي عمل ولعل إعداد الدولة للحرب أو الدفاع يتطلب تخطيطا دقيقا وتحديداً واضحاً للأهداف والغايات الوطنية والأهداف السياسية المطلوب تحقيقها، كما يتطلب ذلك توفير قاعدة المعلومات والبيانات والحقائق وفق أخر تحديث، والتي يستفاد منها المخططين في تحديد الأعمال الضرورية وأسبقياتها، كما تحدد الأجهزة المسئولة  البدائل المختلفة واختيار أنسبها وأكثرها قابلية للتنفيذ، كما ويجب أن يوائم التخطيط أهداف الدولة وسياساتها الإستراتيجية والوسطية، فعلى القيادة السياسية العليا للدولة تحديد "الأهداف السياسية والأهداف السياسية المرحلية والأهداف السياسية العسكرية" التي يُبنى عليها التخطيط المركزي "الخطة شاملة لإعداد الدولة للحرب"، وتُعد مقترحات ومطالب وزارة الدفاع ومجلس الدفاع الأعلى، أساس لوضع الخطة الشاملة للإعداد مُحَدِّدة بشكل دقيق الهدف الإستراتيجي الرئيسي التي تُقدَم إلى رئاسة الوزراء بواسطة الوزير المختص (وزير الدفاع).                                        
 

ثانياً: التنظيم والتنسيق:

تتضمن الخطة المركزية الشاملة عدد من الأعمال والإجراءات، التي يتطلب تنفيذها وإشراك عدد من الجهات التي تعتبر الموارد الأساسية في الخطة، ً ومن الضروري القيام بعدة أعمال هيكلية تنظيمية وتنسيق العمل لغرض الوضوح وينبغي عدم تعارض الخطة في تنفيذ مراحلها  مع الأعمال الرئيسية التي تقوم بها تلك الجهات (الوزارات والمؤسسات) أو تتأخر أسبقيات أي منهم وهي)(:
·        تنسيق الجهود بين أجهزة الدولة، والمؤسسات المدنية والعسكرية المشتركة.
·        تحديد أوجه النشاطات المختلفة، الهيئات، الأجهزة، المؤسسات وحصرها، حتى يمكن التعرف على حجم الإمكانيات المتاحة ويساعد على سهولة العمل الأداء.
·        تقدير حجم الأعمال اللازمة مع تحديد الأجهزة المنفذة لها طبقاً للإمكانيات المتاحة لكل جهاز، وبيان مقدار التسهيلات ونطاق المرونة المسموح به عند تغيير الإجراءات وأسلوب التنفيذ بما يحقق أفضل النتائج في أقل الأوقات وإن تطلب ذلك تغيير أو تعديل الهياكل التنظيمية للأجهزة نفسها، لتتلاءم مع متطلبات التنفيذ.
·        تنظيم وتكامل القوى العاملة لأجهزة الدولة المدنية والعسكرية واختيار أفضل القيادات، وتنمية قدراتها ومهاراتها لتنفيذ الأعمال، وتحقيق الأهداف مع تحقيق التوازن بين السلطة الممنوحة والمسؤولية المحددة لكل جهاز أو هيئة في الدولة تجاه تنفيذ الخطة.
·        استخدام الأجهزة والمعدات الحديثة وسياقات العمل الرصينة، لضمان تنفيذ الخطط المرحلية بما يحقق أفضل النتائج طبقاً لأهداف الخطة المركزية.
 

ثالثاً: التوجيه والمتابعة:

تبدأ مرحلة التوجيه والمتابعة بالتوازي مع المراحل السابقة ولكنها تستمر بعد ذلك أثناء التنفيذ الفعلي لمتابعة تنفيذ مِا تم تخطيطه. ويساعد توجيه الجهات المنفذة على سرعة فهم التعليمات والقرارات واستيعاب الهدف من الخطط المرحلية العامة والتخصصية، لؤمن التنفيذ الرصين للتخطيط السليم . كما ويتم التوجيه من خلال الاتصالات الرئيسية إلى المنفذين والمخططين بما يؤمن تحقيق الهدف ويتم ذلك من خلال الاتصالات العرضية (الجانبية) بغرض التنسيق مع الجهات الأخرى ولغرض الاقتصاد بالجهد، ويشمل التوجيه والمتابعة من المراحل الأولية للخطة وإصدار التعليمات ويستمر حتى التنفيذ والتعديل والتطوير، وتعتبر خطة المتابعة مكملة للخطة المركزية الشاملة لمراقبة  ومتابعة التنفيذ في الوقت المحدد وبالأسلوب المخطط له. وكل خطة تخصصية أو مرحلية لا بد لها من خطة إدارة ومتابعة، حتى تصبح الخطة مكتملة ولا يعتمد في التوجيه والمتابعة على تلقي النتائج والبلاغات عن سير الخطة فحسب بل تحتوي على توقيتات لمراجعة وتقييم الإنجازات وتطابقها زمنياً وإجرائياً مع التخطيط، كما يجب أن تحتوي على إجراءات مفاجئة للوقوف على حسن انتظام الخطة، واكتشاف المعوقات في الوقت المناسب، وهو ما يجب أن يتوافق مع خطة التنسيق والمتابعة في مرحلة التنفيذ، لاكتشاف المعوقات والسلبيات والعمل على معالجتها وتنسيق التعاون بين الجهات المختلفة المشتركة في عمل واحد وفي توقيت واحد لضمان عدم إهدار الوقت و الإمكانيات(الاقتصاد بالجهد).
 

رابعاً: التنفيذ:

يجري تنفيذ كل ما تم الاتفاق عليه وتخطيطه، طبقاً للفترة الزمنية المعدة للتنفيذ، لذلك فهذه المرحلة تشارك فيها كل أجهزة الدولة، من البداية ويكون الهدف تحقيق أفضل النتائج أثناء تنفيذ الخطط الموضوعة، والمصدق عليها أو تعديلها وتنسيقها في ضوء الظروف المحيطة والإمكانيات، وأي عوامل أخرى أُخذت في نظر الاعتبار عند التخطيط، يجب تحديد المسؤوليات والمهام بدقة ووضوح، عند بدء التنفيذ.
 
أصبح البعد الإستراتيجي في التفكير والتخطيط عنصر مهم بل ضرورة ملحة في جميع النواحي ولا يقتصر على الجوانب العسكرية فقط، ومن الواضح أن القاسم المشترك الأعظم بين التعريفات المختلفة للإستراتيجية هو أنها "علم وفن" ينصرفان إلى الخطط والوسائل، أي "علم توظيف القوى السياسية والاقتصادية والنفسية وكذلك قوات الدولة العسكرية أو مجموعة الدول لتقديم أقص دعم للسياسات المتبناة أو المتخذة سواء في السلم أو في الحرب، والتي تعالج الوضع الكلي للصراع" وفن لأن ممارستها تختلف من إنسان إلى آخر، سواء كان ذلك الذي يمارسها سياسياً أو عسكرياً.
  وتنضوي جميع العناصر الإستراتيجية في إستراتيجية الأمن القومي لأي دولة، وينظر إلى الإستراتيجية العليا/الشاملة وفق أبعادها وعناصرها الوطنية وموائمتها من التفوق التقني والتطور التكنولوجي أن تحقق، مما يتطلب ذلك دراسة شاملة للبيئة الإستراتيجية وتامين متطلبات الإدارة الناجحة لتلك الإستراتيجية، بالتركيز على  مقومات التخطيط الإستراتيجي وفق منظوره العلمي والعملي والذي يضع جميع الإستراتيجيات التخصصية في المسلك الصحيح ولعل الإستراتيجية العسكرية والتي تعتبر ظل الإستراتيجية السياسية لأنهما مترادفتان في التطبيق لتحقيق الاستراتيجي الشاملة، كما وتعد الإستراتيجية الإعلامية عنصرا فعالا لتحقيق الغاية الإستراتيجي الشاملة بعد تكامل أهدافها العامة وفق مراحل جرى التخطيط لها مسبقا وفق المنظور العلمي والعملي، وحشد القدرات والموارد، بما يواءم متغيرات الصراع المسلح الحديث, والتنفيذ العملي للمهام الإستراتيجية في ضوء المذهب العسكري والذي يعتبر ابرز سمات الدولة , والذي يجب أن تضع محددات العقيدة العسكرية لتحرص على تطبيقهما الإستراتيجية العسكرية كإستراتيجية تخصصية ضمن  الإستراتيجية الشاملة للدولة.