سري للغاية، هكذا كتب على ملف العملية التي قام بها جهاز الاستخبارات السوفيتي تحت عنوان "الدير"، والتي اعتبرت من العمليات الفريدة من نوعها على مدى عقود من الزمن، وهي حتى يومنا هذا محفوظة في أرشيف خاص. وعلى الرغم من المعلومات الشحيحة التي نملكها عن هذه العملية إلا أننا قادرون على وصفها بأنها واحدة من أهم إنجازات جهاز الاستخبارات السوفيتية على الإطلاق
وإذا ما عدنا إلى الأذهان، فقد هاجمت القوات النازية الألمانية الاتحاد السوفيتي في صيف عام 1941 واندلعت حرب دامية تعتبر الأكثر وحشية في تاريخ روسيا. وبطبيعة الحال فقد كانت الجيوش تقاتل بشراسة على مختلف الجبهات وكانت أجهزة الاستخبارات تعمل خارج وداخل عمق العدو. وبعد وقت قصير من بداية الحرب اكتشفت إدارة مكافحة التجسس السوفيتية وجود مجموعة من أنصار الحكم الملكي والذين أطلق عليهم مجموعة "العرش". ولقد كانت هذه المجموعة تضم رجالاً من كبار السن الذين لا يمكنهم أن يشكلوا خطراً على البلاد، لكنهم في الوقت نفسه كانوا يتوقعون وينتظرون وصول النازيين للإطاحة بالبلاشفة. بالطبع كان من السهل على أجهزة الأمن أن تقوم باعتقال هؤلاء، ولكن قررت إدارة مكافحة التجسس استخدام مجموعة "العرش" وذلك لزرع عميل في صفوف الألمان. وأفضل شخصية انتقتها المخابرات السوفيتية كانت الكسندر ديميانوف الذي عمل تحت اسم مستعار "غيني"، وقد كان الكسندر من عائلة نبيلة وهو ابن ضابط خدم في صفوف الجيش القيصري، ولهذا سرعان ما حظي على ثقة أنصار الحكم الملكي. وبعد أن أصبح ديميانوف واحداً منهم وعد أصدقاءه الجدد بأنه سوف يتسلل إلى صفوف الألمان ويخبرهم عن وجود مجموعة "العرش"، وهناك سوف يتلقى التعليمات اللازمة بهذا الشأن. بالطبع وافق أنصار الحكم الملكي على هذه الفكرة بكل سرور ومن هنا بدأت عملية "الدير".
على أثر ذلك اجتاز ديميانوف خطوط الجبهة الأمامية في شهر كانون الأول/ديسمبر من عام 1941. وخلال عملية الاستجواب التي قام بها عناصر الاستخبارات النازية، صرح الكسندر بأنه ومنظمته راغبون العمل لصالح ألمانيا. وكما هو معتاد فقد تحقق النازيون من هذه المعلومات لفترة طويلة من الزمن، حتى أنهم افتعلوا عملية إعدام بالرصاص بحق ديميانوف، لكن الأخير وتحت تهديد القتل والموت تمسك بموقفه حتى النهاية. علاوة على ذلك قام العملاء الألمانيين بزيارة لأعضاء مجموعة أنصار الحكم الملكي في موسكو الذين أكدوا قصة العميل السوفيتي، عندها اكتسب الأخير ثقة الألمان، وفي ربيع عام 1942 تم إرسال العميل "غيني" لصالح جهاز المخابرات الألمانية إلى العمق السوفيتي.
وبعد عودته إلى بلده بدأ ديميانوف بتزويد الألمان بمعلومات هامة أعدت بمهارة فائقة من أجل تضليل النازيين، ومع مرور الوقت ارتقى الكسندر في منصبه وأخبر برلين بأنه تمكن من شغل منصب مرموق في رئاسة هيئة الأركان السوفيتية. وبفضل الترقي الجديد أصبح الألمان يحصلون من العميل السوفيتي على معلومات مضللة بشكل تفوق المعلومات التي كان يرسلها سابقاً بعدة مرات.
بعد ذلك التقى ديميانوف في مكان متفق عليه سابقاً بالعملاء الألمانيين والمخربين الذين أصبحوا بين قبضة عناصر مكافحة التجسس السوفيتية الذين قاموا بالقبض على بعضهم ومراقبة آخرين لاكتشاف ورصد وجود علاقات أخرى ذات صلة بالنازيين، كما تم القبض على مجموعة "العرش" أيضاً. وفي عام 1942 كتبت الصحف السوفيتية عن وجود عملية تخريبية للعدو في إحدى أكبر المصانع العسكرية في سيبيريا حيث شاهد المئات من السكان وسمعوا أصوات الانفجارات والحرائق التي اندلع لهيبها على أرض المصنع. وهنا أبلغ ديميانوف النازيين بأن عملية التخريب هذه كانت منظمة من قبل نشطاء مجموعة "العرش" تحت إمرته. أما في واقع الأمر فقد كانت هذه مجرد تمثيلية أعدت بمهارة، لأن السوفيت كانوا يحضرون لهدم بناء قديم ولإعداد لبناء مصنع جديد، وهذا كان محط استغلال من قبل المخابرات السوفيتية. وعلى أثر ذلك لم يصدق الألمان فقط هذه العملية وإنما منحوا العميل "غيني" وسام "الصليب الحديدي" مقابل إنجازاته العسكرية التي حققها لصالح النازيين. وفي اليوم نفسه قلدت القيادة السوفيتية ديميانوف وسام "النجمة الحمراء"، وبهذا تمكن العميل الحصول على وسامين متناقضين تماماً في يوم واحد.
تجدر الإشارة إلى أن موسكو كانت قد تلقت تحذيرات عدة مرات من الحلفاء البريطانيين، بوجود جاسوس ألماني في الأركان العامة للقوات السوفيتية القادر على الوصول إلى المعلومات السرية الخاصة، بالطبع كانت هذه نص برقية مشفرة مرسلة من ديميانوف. على كل حال فإن البريطانيين لم يكتشفوا الشخص الذي كان يعمل تحت قناع هذا الجاسوس، كما أن رئيس جهاز الاستخبارات الألماني والتر شيلينبيرغ لم يكن على علم بذلك، حتى أنه كتب في مذكراته بعد الحرب العالمية الثانية عن أحد العملاء الأكثر كفاءة، وبالطبع فإن الحديث يدور هنا عن الكسندر ديميانوف.
أربع سنوات من التضليل تمكن "غيني" الاحتيال على الاستخبارات الألمانية، وما قام به ساعد القيادة السوفيتية للقيام بالعديد لعمليات عسكرية ناجحة ضد المضللين الألمان، كما تمكن ديميانوف فضح أكثر من 50 جاسوساً ومخرباً للعدو الفاشي. لكن الألمان كانوا يصدقونه حتى انهم استمروا الاتصال به حتى بعد ان اقتحمت القوات السوفيتية مدينة برلين، علماً أن البرقية الأخيرة التي حصل عليها من "رؤسائه" المخدوع بهم كانت في شهر أيار/مايو 1945 جاء فيها ما يلي: "لقد تمكن العدو من هزم ألمانيا، لذا نقطع اتصالنا، شكراً لخدماتكم". وعلى أثر ذلك انتهت الحرب وانتهت معها عملية "الدير".
وبعد الانتصار عمل الكسندر ديميانوف مهندساً في أحد معاهد موسكو، وتوفي عام 1978، مع الإشارة إلى أنه لم يتم الكشف عن منجزات ونشاط المهندس المتواضع في الاستخبارات السوفيتية إلا بعد مرور عقود من الزمن.
وإذا ما عدنا إلى الأذهان، فقد هاجمت القوات النازية الألمانية الاتحاد السوفيتي في صيف عام 1941 واندلعت حرب دامية تعتبر الأكثر وحشية في تاريخ روسيا. وبطبيعة الحال فقد كانت الجيوش تقاتل بشراسة على مختلف الجبهات وكانت أجهزة الاستخبارات تعمل خارج وداخل عمق العدو. وبعد وقت قصير من بداية الحرب اكتشفت إدارة مكافحة التجسس السوفيتية وجود مجموعة من أنصار الحكم الملكي والذين أطلق عليهم مجموعة "العرش". ولقد كانت هذه المجموعة تضم رجالاً من كبار السن الذين لا يمكنهم أن يشكلوا خطراً على البلاد، لكنهم في الوقت نفسه كانوا يتوقعون وينتظرون وصول النازيين للإطاحة بالبلاشفة. بالطبع كان من السهل على أجهزة الأمن أن تقوم باعتقال هؤلاء، ولكن قررت إدارة مكافحة التجسس استخدام مجموعة "العرش" وذلك لزرع عميل في صفوف الألمان. وأفضل شخصية انتقتها المخابرات السوفيتية كانت الكسندر ديميانوف الذي عمل تحت اسم مستعار "غيني"، وقد كان الكسندر من عائلة نبيلة وهو ابن ضابط خدم في صفوف الجيش القيصري، ولهذا سرعان ما حظي على ثقة أنصار الحكم الملكي. وبعد أن أصبح ديميانوف واحداً منهم وعد أصدقاءه الجدد بأنه سوف يتسلل إلى صفوف الألمان ويخبرهم عن وجود مجموعة "العرش"، وهناك سوف يتلقى التعليمات اللازمة بهذا الشأن. بالطبع وافق أنصار الحكم الملكي على هذه الفكرة بكل سرور ومن هنا بدأت عملية "الدير".
على أثر ذلك اجتاز ديميانوف خطوط الجبهة الأمامية في شهر كانون الأول/ديسمبر من عام 1941. وخلال عملية الاستجواب التي قام بها عناصر الاستخبارات النازية، صرح الكسندر بأنه ومنظمته راغبون العمل لصالح ألمانيا. وكما هو معتاد فقد تحقق النازيون من هذه المعلومات لفترة طويلة من الزمن، حتى أنهم افتعلوا عملية إعدام بالرصاص بحق ديميانوف، لكن الأخير وتحت تهديد القتل والموت تمسك بموقفه حتى النهاية. علاوة على ذلك قام العملاء الألمانيين بزيارة لأعضاء مجموعة أنصار الحكم الملكي في موسكو الذين أكدوا قصة العميل السوفيتي، عندها اكتسب الأخير ثقة الألمان، وفي ربيع عام 1942 تم إرسال العميل "غيني" لصالح جهاز المخابرات الألمانية إلى العمق السوفيتي.
وبعد عودته إلى بلده بدأ ديميانوف بتزويد الألمان بمعلومات هامة أعدت بمهارة فائقة من أجل تضليل النازيين، ومع مرور الوقت ارتقى الكسندر في منصبه وأخبر برلين بأنه تمكن من شغل منصب مرموق في رئاسة هيئة الأركان السوفيتية. وبفضل الترقي الجديد أصبح الألمان يحصلون من العميل السوفيتي على معلومات مضللة بشكل تفوق المعلومات التي كان يرسلها سابقاً بعدة مرات.
بعد ذلك التقى ديميانوف في مكان متفق عليه سابقاً بالعملاء الألمانيين والمخربين الذين أصبحوا بين قبضة عناصر مكافحة التجسس السوفيتية الذين قاموا بالقبض على بعضهم ومراقبة آخرين لاكتشاف ورصد وجود علاقات أخرى ذات صلة بالنازيين، كما تم القبض على مجموعة "العرش" أيضاً. وفي عام 1942 كتبت الصحف السوفيتية عن وجود عملية تخريبية للعدو في إحدى أكبر المصانع العسكرية في سيبيريا حيث شاهد المئات من السكان وسمعوا أصوات الانفجارات والحرائق التي اندلع لهيبها على أرض المصنع. وهنا أبلغ ديميانوف النازيين بأن عملية التخريب هذه كانت منظمة من قبل نشطاء مجموعة "العرش" تحت إمرته. أما في واقع الأمر فقد كانت هذه مجرد تمثيلية أعدت بمهارة، لأن السوفيت كانوا يحضرون لهدم بناء قديم ولإعداد لبناء مصنع جديد، وهذا كان محط استغلال من قبل المخابرات السوفيتية. وعلى أثر ذلك لم يصدق الألمان فقط هذه العملية وإنما منحوا العميل "غيني" وسام "الصليب الحديدي" مقابل إنجازاته العسكرية التي حققها لصالح النازيين. وفي اليوم نفسه قلدت القيادة السوفيتية ديميانوف وسام "النجمة الحمراء"، وبهذا تمكن العميل الحصول على وسامين متناقضين تماماً في يوم واحد.
تجدر الإشارة إلى أن موسكو كانت قد تلقت تحذيرات عدة مرات من الحلفاء البريطانيين، بوجود جاسوس ألماني في الأركان العامة للقوات السوفيتية القادر على الوصول إلى المعلومات السرية الخاصة، بالطبع كانت هذه نص برقية مشفرة مرسلة من ديميانوف. على كل حال فإن البريطانيين لم يكتشفوا الشخص الذي كان يعمل تحت قناع هذا الجاسوس، كما أن رئيس جهاز الاستخبارات الألماني والتر شيلينبيرغ لم يكن على علم بذلك، حتى أنه كتب في مذكراته بعد الحرب العالمية الثانية عن أحد العملاء الأكثر كفاءة، وبالطبع فإن الحديث يدور هنا عن الكسندر ديميانوف.
أربع سنوات من التضليل تمكن "غيني" الاحتيال على الاستخبارات الألمانية، وما قام به ساعد القيادة السوفيتية للقيام بالعديد لعمليات عسكرية ناجحة ضد المضللين الألمان، كما تمكن ديميانوف فضح أكثر من 50 جاسوساً ومخرباً للعدو الفاشي. لكن الألمان كانوا يصدقونه حتى انهم استمروا الاتصال به حتى بعد ان اقتحمت القوات السوفيتية مدينة برلين، علماً أن البرقية الأخيرة التي حصل عليها من "رؤسائه" المخدوع بهم كانت في شهر أيار/مايو 1945 جاء فيها ما يلي: "لقد تمكن العدو من هزم ألمانيا، لذا نقطع اتصالنا، شكراً لخدماتكم". وعلى أثر ذلك انتهت الحرب وانتهت معها عملية "الدير".
وبعد الانتصار عمل الكسندر ديميانوف مهندساً في أحد معاهد موسكو، وتوفي عام 1978، مع الإشارة إلى أنه لم يتم الكشف عن منجزات ونشاط المهندس المتواضع في الاستخبارات السوفيتية إلا بعد مرور عقود من الزمن.